حين التقيتك بقلم سارة مجدي
الفصل الأول
ذات صباح يشبه غيره فتحت عيونها الناعسة .. شديدة الحمره من قلة النوم و الراحة تنظر إلى سقف غرفتها الكئيب كباقى البيت بلونه الرمادى و تلك فتحهم بشكل جيد فالرؤية مشوشة حقا
لم تنم جيدا منذ أكثر هى حقا لا تتذكر
أغلقت باب الحمام و جذبت تلك الستارة لتداري بها تلك الفتحات التى تملىء ذلك الباب و نظرت إلى المرآة المکسورة ليهولها ذلك المنظر
أم هذا ما أصبحت عليه روحها جسد شابه وروح عجوز هرمه رأت من الحياة ما يجعلها تزهدها و تتمنى الرحيل منها سريعا
أغرقت وجهها ببعض المياة و غادرت الحمام لتجد جميع أخوتها يصطفون حول الطاولة الأرضيه ينتظرون الإفطار
وضعت الطعام على الطاولة الأرضيه و دخلت إلى الغرفة أرتدت ملابسها التى أصبحت مهترئه من كثرة لبسها لها و غسيلها
و غادرت بعد أن ألقت نظرة على أخوتها الذين يتصارعون على قطع الخبز
و حين جلست وصلها صوت رئيس الوردية البغيض
أيوه كده الشمس طلعت و نورت و نقدر نقول نهارنا نادي
لم تنظر إليه و لكنها بدأت فى العمل مباشرة
ليقف أمامها مباشرة و أتكىء على ذراعيه ينظر إلى وجهها الخالى تماما من مساحيق التجميل
كان ينظر إلى تفاصيلها و هو يفكر
يعلم جيدا إنها تراه سمج و ثقيل الډم لكنه يعشقها و يشفق عليها مما تحمل فوق كتفيها من مسؤلية لذلك لا يدقق على تأخرها و أحيانا أخطائها فى العمل بسبب أرهاقها و تعبها الواضح لعينيه بوضوح يؤلم قلبه بشده
طرق على الطاولة بأطراف أصابعه لترفع عيونها إليه ليبتسم إبتسامة صغيرة و غادر
عادت إلى ما تفعله و هى تفكر اليوم سوف تأخذ راتبها و تدفع الإيجار المتأخر و أيضا تشترى بعض الطعام الجيد لأخوتها و الحذاء الذى يحتاجه أخيها الصغير
إذا قامت بدفع كل ذلك المال ماذا تبقى لنهاية الشهر أغمضت عيونها لعدة ثواني ليثقب الدبوس الخاص بماكينه الخياطة أصبعها لتصرخ صړخة صغيرة لكن إنتبه لها ذاك الذى أصبح قلبه ملك لها منذ أول يوم حضرت للعمل هنا وقف أمامها وقال بقلق
مالك يا هدير
رفعت عيونها إليه و قالت بدموع حبيسه داخل عينيها
صابعي
أمسك يديها ينظر إلى أصبعها الذى أغرقته الډماء أمام نظرات الأستهجان من باقى الفتايات و همسات جانبيه عن كم هى مسهوكه
عاد جعفر إلى داخل مكتبه و عاد إليها و بين يديه لاصقه طبيه و بأهتمام واضح و سرعة بداء فى لف أصبعها باللاصقه الطبيه و حين أنتهى نظر إليها و قال بعيون تشع حب
خلي بالك و أنت شغاله حرام صوابعك
لم تعقب على كلماته و لكنها أومئت بنعم و عادت تجلس مكانها من جديد و عادت إلى عملها لينظر هو إلى باقى الفتايات و قال بصوت عالي
كله يرجع لشغله مش عايزين عطله
ساعات و ساعات مرت عليها وحالها كحال جميع الفتايات ظهرهم منحني
فوق ماكينة الخياطة حتى خرج جعفر من مكتبه و هو يقول
يلا ساعة الغدا
توقفت جميع الماكينات ماعدا واحدة و خرجت جميع الفتايات إلا هى
ليس معها مال و لم تحضر طعام من المنزل فلا تستطيع مشاركة باقى الفتايات الغداء
كان قلبه يؤلمه من أجلها لكنه يعلم جيدا أنها سترفض أن تتناول معه الغداء أو أن تأخذ منه المال
ظل واقف عند باب غرفة مكتبه ينظر إليها و هى تعمل بقوة و سرعة
لم يكن فى يده شىء يفعله سوى أن يظل هو الآخر دون غداء و لكنها لم تتناول أيضا الإفطار و هذا اليوم الثالث لها و لم يدخل جوفها سوى بضع لقيمات لذلك هى لا ترى بشكل سليم و لذلك جرحت أصبعها
و كأن القدر و جسدها أتفقا عليها لم تشعر بنفسها إلا حين فتحت عيونها تنظر إلى ذلك السقف الأبيض الذى يختلف تماما عن سقف بيتها
نظرت حولها لتجد جعفر يقف أمام النافذة يعطيها ظهره قالت بصوت هامس
أسطى جعفر
ألتفت إليها سريعا و القلق و بعض الضيق يرتسموا بوضوح على ملامحه
و أقترب منها بهدوء ثم جذب الكرسي و
وضعه بالقرب من السرير و عيونه ثابته على عيونها شديدة الحمره و وجهها الشاحب كالأموات
ظل الموقف ثابت و الصمت ثالثهما و هى لا تفهم ماذا حدث و لكن كل ما تشعر به الأن إنها أخطئت خطىء كبير حتى جعل الأسطى جعفر فى تلك الحالة من الڠضب
كادت أن تقول شىء حين تكلم هو من بين أسنانه
أنت بقالك كام يوم مأكلتيش
جحظت عيناها پصدمه و أنتبهت إلى المكان حولها خاصه حين رفعت يديها الموصول بها المغذي لتشعر بوغزة الحقنة فى وريدها
ليكمل هو بنفس الڠضب المكتوم
ردى عليا بقالك كام يوم مدخلش جوفك حاجة تسند قلبك
أخفضت نظرها خاصة و هى ترى ذلك الأهتمام الكبير بها داخل عينيه إهتمام لم تراه يوما فى عيون من هم منها و يجري فى وريدهم نفس الډماء
أنت عايزة ټموتي نفسك
قالها بصوت ملتاع و قلب يتألم و روح تكاد تغادر جسده لتسكن جسدها تضمها تقطب چروح روحها و قلبها
أنحدرت تلك الدمعة الحبيسه داخل عينها حين قالت
هو أنا قد ذنب أنى أموت نفسي .. أنا بخاف من ربنا و بخاف أزعله مني راضية بكل إللى أنا فيه لكن ورايا كوم لحم عايز ياكل و يشرب و يلبس ساقية مربوطة فيها و عيني متغميه حتى عن نفسي .
يعلم كان يعلم كل تلك الحمول التي ألقيت فوق كتفيها منذ سنوات و حملتها هذه الطفلة الصغيرة بدلا عن والد لا يستحق ذلك اللقب .. و أم مريضة لا حول لها و لا قوة و لكن أن يسمعها منها خاصه بذلك الألم الذي يسكن صوتها أنه لكثير عليه حقا لم يعد يحتمل خاصة و هو يتذكر كلمات الطبيب
جسمها ضعيف جدا تقريبا بقالها ثلاث أو أربع أيام مأكلتش حاجة و كانت داخله فى مرحلة جفاف
عاد الصمت سيد الموقف من جديد و كل منهم سارح فى أفكاره . هى تلوم نفسها على كل ما قالته منذ متي تشتكي حالها منذ متي تلقى بعض من حمول روحها لأحد لابد أن تعود للصمت من جديد عليها أن ترى دائما كل الأبواب موصده بأقفال صدئه حتى تتحمل ما هى فيه بصمت
كان يتابع نظرات عيونها إنقباضة أصابعها على شرشف السرير و يعود يرتسم أمام عينيه هيئتها حين سقطت أرضا مغشي عليها و لم تستجيب لأى من محاولاتهم لافاقتها .. فلم يجد حل آخر سوى الأتصال بالأسعاف
لقد أتخذ قراره و لن يتراجع فيه هو وحيد لا أهل له و لا عائلة لديه بيت ليس بالكبير و لكنه يكفى لها و لأخوتها سيتولى هو المسؤلية .. و يضع يده بيدها و يكملوا المسيره معا و لكن سوف يحمل عنها الحمل الأكبر .. و الأهم إنها لن تبقى بمفردها
فى تلك اللحظة دلف الطبيب حتى يطمئن عليها و بعد عدة دقائق قال
لازم تفضلي معانا يومين على الأقل علاماتك الحيوية كلها منخفضه و ده مش كويس خالص
يعني أيه يا داكتور
سأله جعفر بقلق و كانت هى تنظر إلى الطبيب بعدم أستيعاب ليكمل الطبيب موضحا
هى محتاجة راحة و تغذية و محتاجين كمان نطمن على السكر و الضغط
أنا مش هينفع أفضل هنا أنا لازم أمشى دلوقتي
قاطعت حديث الطبيب لينظر الأثنان لها واحد باندهاش و الثاني پغضب
لكنها لم تهتم بكل ذلك وبدأت فى نزع الإبره المغذية ليسيل بعض الډماء من وريدها ليتحرك الطبيب سريعا و بداء فى إصلاح ما أفسدته لكنها رفضت و بشكل قاطع أن يعيد توصيله بوريدها ليقول الطبيب ببعض الڠضب لكن أيضا باستسلام
يبقى لازم تمضي على إقرار إنك متحمله المسؤلية كاملة
أومئت بنعم و هى تنزل قدميها أرضا كل
ذلك و جعفر صامت تماما ينظر إلى ما تقوم به و لكن داخل عينيه شىء ما لا تستطيع تفسيره
شعرت ببعض الدوار حين بدأت فى الوقوف ليقترب سريعا منها يدعم وقفتها و نظر إلى الطبيب و قال
ممكن تقولنا المفروض نعمل أيه
لوى الطبيب فمه ببعض الضيق ثم قال
راحة تامه لمدة أسبوع على الأقل و ثلاث وجبات متكاملين و عصاير فرش كتير و سوايل فى العموم كتير و مش أقل من لترين ماية فى اليوم و كل يوم تقيس ضغط وسكر
أومىء جعفر بنعم و هو يجعلها تعود تجلس على السرير من جديد ..ثم وقف أمام الطبيب وقال
لو سمحت إعملنا إذن الخروج
غادر الطبيب الغرفة ليعود جعفر يجلس على الكرسي لكن بعد أن عدل وضعيته أمامها مباشرة و قال بأمر غير قابل للنقاش
هنخرج من هنا على بيتكم ترتاحى و ممنوع تنزلي الشغل
أبتسمت إبتسامة صغيرة لكنها ذبحته من الوريد إلى الوريد و أكملت عليه بكلماتها
مينفعش إخواتي يعملوا أيه لو أنا رقدت ملهمش غيرى و دوا أمى أنا هروح النهارده و بكره الصبح هكون فى المصنع بس بالله عليك يا أسطى جعفر ما تخصم منى النهارده أنا عليا إيجار متأخر .. ولو مدفعتش هبقى أنا و أخواتي